loader image
Search
Close this search box.

تبريد المناطق: تجسيد فعلي لكفاءة الطاقة في منطقة الخليج

ياسر الجيدة

الرئيس التنفيذي

يتعين علينا النظر إلى معيار الفعالية والكفاءة في استخدام الطاقة كمورد من موارد الطاقة وباعتبار تلك الفعالية جزءاً من إجمالي الكميات الأولية للطاقة التي تستهلكها البلاد. أضحت كفاءة استخدام الطاقة من الأولويات الهامة التي تقوم عليها سياسات الطاقة نظرا لاعتبارات الفاعلية من حيث التكلفة وتوافر إمكانات تبني تلك السياسات في جميع أرجاء العالم. ويعد رفع كفاءة انتاج وترشيد استهلاك الطاقة جزءاً هاماً من التزامات الحكومات ببناء مجتمعات قوية و على أسس صحيحة ومستدامة ولضمان تلبية الاحتياجات الفعلية لدول مجلس التعاون الخليجي من الطاقة. ويعد تطوير نظم انتاج الطاقة للمناطق ذات المستويات المنخفضة من انبعاثات الكربون وبالأخص في مجالات تبريد المناطق من أكثر الحلول الأساسية والفاعلة من حيث التكلفة. لتقنيات تبريد المناطق العديد من المزايا المتأصلة بالمقارنة بتقنيات التبريد التقليدية بيد أنه من أكثر تلك المزايا أهمية هي ارتفاع كفاءة استهلاك الطاقة مقارنة بالمنهجيات التقليدية لتكييف الهواء. وتعول المجتمعات كافة على زيادة توفير وترشيد استهلاك الطاقة لتوفير المزيد من كميات النفط والغاز لأغراض التصدير بدلاً من تخصيص تلك الكميات لغايات استهلاكها في احتياجات التبريد التي تصل إلى 70% من استهلاك الطاقة في مدن دول مجلس التعاون الخليجي ولكن، يضع الهيكل الحالي للسوق في منطقة مجلس التعاون الخليجي صناعة تبريد المناطق في موقع غير تنافسي ويعاني هذا القطاع الهام من صعوبات جمّة لتحقيق إمكانياته الكامنة والعائدات المتوقعة منه. لذا، يُعول على التدخل والدعم الحكومي الفاعل وبالأخص في دولة قطر لتحقيق الغايات المنشودة من رؤية دولة قطر التنموية للعام 2030 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية وتعد تقنية تبريد المناطق من ركائز تحقيق تلك الرؤية بأوجهها الأربعة.

ويمكن الإسراع في تبني تدابير رفع كفاءة استهلاك وترشيد الطاقة لتحقيق العديد من الفوائد والمزايا في ظل الاقتصاد الشامل والصديق للبيئة وتستهلك المدن ما يربو عن 70% من إجمالي استهلاك العالم من الطاقة وتنتج ما يتراوح بين 30% و 40% من انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم. وفي العديد من مدن مجلس التعاون الخليجي يتم استهلاك نحو 70% من الطاقة في أغراض التبريد، لذا يتعين لأي حلول أو تدابير تتصل بتغيرات المناخ أو الطاقة التعاطي بشكل صريح مع مسائل الاستدامة في التبريد. وفي حال توفر الظروف الصحيحة، يمكن لتبريد المناطق توفير مزايا غير محدودة بالمقارنة بتقنيات التبريد التقليدي المعمول بها في دول مجلس التعاون الخليجي. وتتيح تقنيات تبريد المناطق العديد من الفوائد للمناطق ذات كثافات التبريد المرتفعة والمناطق ذات التعدادات السكانية العالية وبتجميع الطلب على الهواء البارد في المساحات ذات الكثافة العالية، لا تقتصر فوائد تبريد المناطق على الكفاءة من حيث التكلفة بل وتشمل أيضاً الموثوقية العالية وارتفاع كفاءة استهلاك الطاقة وتخفيف الأثر البيئي مقارنة بمنهجيات تكييف الهواء التقليدية.

إلا أن الوضع الراهن للسوق ينطوي على تحديات تجعل من الصعوبة رؤية المزايا الاقتصادية لتبريد المناطق في سلسلة التعاملات في أي وحدات عقارية أي كان نوعها أو طبيعتها. يتوافر هناك العديد من الأسباب وراء غياب الشفافية الاقتصادية بيد أن هذا المقال يركز على مسألة وحيدة ورئيسية تواجهها صناعة تبريد المناطق في إقليم مجلس التعاون الخليجي  ألا وهي انخفاض أسعار الطاقة بسبب سياسات الدعم الحكومي وتؤدي أسعار تعرفة الطاقة الكهربائية المنخفضة إلى التشويش والتعتيم على المزايا الاقتصادية لتبريد المناطق الأمر الذي يترك المطورين والمستثمرين والمشترين عرضة للاعتقاد أن تبريد المناطق يوفر فوائد اقتصادية في المناطق ذات الكثافات المرتفعة فقط وهو ما يخالف الحقيقة إذا ما تم أخذ التكلفة الفعلية للطاقة بعين الاعتبار في تلك المعادلة، بيد أن ذلك لا يؤثر بشدة على المشاركين في السوق إلا إنه يمثل عبأ على ميزانيات الدولة ويؤثر سلباَ على سياسات الحفاظ على البيئة. لذا يعول الكثير من المعنيين بالأمر على الحكومات والقطاعات الحكومية المعنية بإنتاج الطاقة الكهربائية بشكل كبير لوضع خطط تتسم بالكفاءة لتبني تقنيات تبريد المناطق وفقا للرؤى الحكومية وذلك لتحقيق أهداف قطاعات الطاقة إذا ما قررت حكومات المنطقة الإبقاء على سياسات الدعم القائمة.

ويمكن للحكومات المحلية بالمنطقة تحفيز وتشجيع تبني تقنيات تبريد المناطق بشكل أساسي وذلك انطلاقا من دورها الأساسي ككيانات يناط بها مهمة وضع الخطط والتنظيم والتشريع حيث تلعب الحكومات المحلية بالمنطقة دورا هاما في التخطيط لحلول الطاقة التي تسهم في تحقيق أهدافا محددة. ويمكن للحكومات تبني أطر تنظيمية وتشريعية لتشجيع الجهود المبذولة لغايات تطوير تقنيات تبريد المناطق من خلال رؤى واضحة وتحديد أهداف للربط بين المزايا والفوائد التي تمنحها تقنيات تبريد المناطق والأهداف بعيدة المدى لسياسات الطاقة والبيئة.

وتعد معايير كفاءة وفعالية استهلاك الطاقة وترشيد الاستهلاك من الأهداف الهامة التي يمكن تحقيقها عند وضع الخطط لبناء المجتمعات الجديدة ويتأتى ذلك من خلال التصميمات البناءة والمبتكرة ولذلك يمكن للحكومات البدء بالتعامل مع تبريد المناطق بوصفه خدمة أساسية وكجزء من اشتراطات التخطيط والتصميم العمراني كما هو الحال بالنسبة للمياه والكهرباء. ويمكن للحكومات تخصيص مساحات تتميز بكثافات تبريد تتسم بالكفاءة والفعالية وتخصيصها كمناطق مناسبة لتبريد المناطق. ولضمان عدالة الأسعار وحماية جميع الحقوق، يمكن للحكومات الإشراف على والتأكد من فعالية أطر العمل المفروضة على جميع الأطراف المعنية والتي تشكل جزء من سلسلة القيمة بدءً من موردي خدمات التبريد والمطورين ووصولا للمستهلكين النهائيين ويمكن للحكومات تخطي مسألة التسعير لتضع تشريعات ونظم واضحة وصريحة تتعلق بمستويات الخدمة.

وبينما تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في نمو متسارع الوتيرة والتوسع العمراني خلال العقود القادمة، تتيح تقنيات تبريد المناطق توفير موارد مالية طائلة قد تتكبدها هذه الدول لبناء محطات جديدة لتوليد وانتاج الطاقة الكهربائية ويمكن لتقنية لتبريد المناطق تحقيق الأهداف المنشودة بوصفها وسيلة مستدامة ومرتفعة الكفاءة من حيث التكلفة للتعامل مع معدلات النمو هذه وتنامي الطلب على الطاقة وبالأخص في مجالات التبريد.